Pages

lundi 9 avril 2012

أحكام علاقة النيابة العامة بالشرطة القضائية على ضوء مدونة السيرالجديدة.


                                                                   
      الميلـودي شـﯖـري                                                                
    (عميد الشرطة بالمصلحة  الولائية للشرطة القضائية ببني مــلال)                                                 

                                                              
                    معلوم أن مدونة السير الجديدة جاءت بمقتضيات حديثة و متطورة، لكنها تبقى بمثابة نص جنائي خاص، و لذلك وجب أن تبقى مضامينها ضمن الإطار العام للقواعد الجنائية العامة، و الذي يحكمه مبدأ الشرعية الجنائية و قاعدة التفسير الضيق،وتفسير الشك لمصلحة المتهم مع افتراض قرينة البراءة.

            و من أهم المواضيع التي نظمتها هذه المدونة في بعض أحكامها هي: العلاقة بين النيابة العامة مع ضباط و أعوان الشرطة القضائية. فإذا كان قانون المسطرة الجنائية يؤطر هذه العلاقة على المستوى النظري و  يجعل من قضاة النيابة العامة ضباط شرطة سامين و يضع جهاز الشرطة القضائية – على اختلاف الإدارات و الجهات التي ينتمي إليها ضباطها و عناصرها – تحت إمرة الوكيل العام للملك و وكيل الملك اللذين يشرفان أو " يسيران " كما نص على ذلك قانون المسطرة الجنائية الجديد في الوقت الذي لم يشرح فيه المقصود من "التسيير" . أما على المستوى الواقعي فهذه العلاقة علاقة احترام متبادل و عمل مشترك على تحقيق المصلحة العليا التي هي حسن تطبيق القانون ، مع الاعتراف بكون قضاة النيابة العامة هم رؤساء قضائيون فيما يخص أعمال الشرطة القضائية ، لكن فيما يخص أعمال الشرطة الإدارية فلا يتمتعون بهذه الصلاحية رغم ظهور اتجاه ينادي بضرورة إعطاء النيابة العامة صلاحيات في الشرطة الإدارية أي في الوظيفة الوقائية للحد من الظواهر الإجرامية  في السياسة الجنائية الحديثة ، او ما اصطلح عليه " الدور الاستباقي " للنيابة العامة .

              و مراعاة للظرفية الراهنة دوليا و وطنيا و التي نعيش فيها مرحلة حساسة ، يبدو ضروريا أكثر من أي وقت مضى " تحديد المسؤوليات " من اجل المحاسبة في إطار نهج الحكامة الجيدة داخل مغرب حداثي كما سنه جلالة الملك و اختاره الشعب المغربي. و لذلك لابد من الوقوف على بعض ملامح العلاقة بين النيابة العامة مع ضباط و أعوان الشرطة القضائية على ضوء ما استحدثته مدونة السير الجديدة ، هذه العلاقة التي سأحاول تتبع بعض ملامحها بما يخدم موضوع هذه الندوة مع المراعاة ما أمكن لعدم التداخل مع مواضيع مداخلات السيدات و السادة القضاة المتدخلين من جهة و من جهة ثانية مراعاة ما افرزه تطبيق مقتضيات هذه المدونة لمدة نصف سنة تقريبا على دخولها حيز التطبيق و ما تم تفعيله فعلا من خلال نصوصه التنظيمية ، و ذلك من خلال تخصيص مطلب اول لجديد مساطر البحث في مدونة السير الجديدة متوقفا خلال ذلك عند ما يخدم موضوع البحث ، في حين اخلص في المطلب الثاني لتناول حدود سلطة النيابة العامة في الأمر بالإجراءات المقيدة للحقوق و الحريات في هذه المدونة.

المطلب الاول:جديد مساطر البحث في مدونة السير الجديدة:

معلوم أن من أهم صلات الوصل بين جهاز النيابة العامة و الشرطة القضائية، هي المحاضر التي ينجزها ضباط و أعوان الشرطة القضائية و تحال على النيابة العامة لاتخاذ القرار الذي تراه مناسبا في مصيرها حسب سلطة الملاءمة، كما تشكل إحدى أهم مظاهر مراقبتها لأعمالهم، و توجيه الملاحظات لهم عند وجود نقص فيها أو عدم المطابقة  مع المقتضيات المعمول بها من حيث الشكل أو المضمون. و إذا كانت مدونة السير الجديدة و نصوصها التنظيمية، اهتمت بشكليات محاضر المخالفات و أوردتها بشكل دقيق، فإنها أوجدت أيضا مقتضيات جديدة ذات صلة بهذه المحاضر، و ابتدعت ايضا وسيلة جديدة كضمانة للمخالف تتجلى في حقه في نهج مسطرة المنازعة في المخالفة  :
               

الصفحة )2(

الفقرة الاولى: استحداث وسائل جديدة للبحث و الاثبات:
       أخرج المشرع بمقتضى هذه المدونة مساطر حوادث السير من إطار القواعد العامة في القانون الجنائي،اذ كانت تؤطرها الفصول المنظمة للقتل و الجرح الخطأ،لتصير منظمة بالمقتضيات الخاصة في هذه المدونة)المواد:167،169و172(  كقاعدة عامة و جعلت التحقيق إلزاميا في الحوادث المميتة ،كما أوجدت الى جانب وسائل المعاينة العادية وسائل حديثة لإثبات المخالفات.

 أولا: تقارير لجان البحث في حوادث السير المميتة:

        لم تعد المحاضر المنجزة من طرف ضباط الشرطة القضائية هي وسيلة الإثبات الوحيدة الممكن الاعتماد عليها لتحديد أسباب و ظروف حوادث السير المميتة، بل استحدثت المدونة في مادتها 137 تقارير لجان البحث

التقني و الإداري، التي تنجز داخل أجل عشرة أيام لتحال على النيابة العامة و الجهات الاخرى المعينة بمقتضى في النص المذكور.. و من التساؤلات التي تطرحها هذه المادة بخصوص تشكيل هذه اللجنة، هي الفائدة التي يمكن أن تتحقق لو كان من ضمنها أحد تقنيي الشرطة أو الدرك المتخصصين في معاينة مسرح الجريمة، نظرا لما تلقوه من تكوين و تكوين مستمر على ضوء ما استحدث من تطورات تقنية، و ما راكموه من تجارب ميدانية بصفتهم مساعدين لضباط الشرطة القضائية، تعزز آراؤهم و تقاريرهم محاضر المعاينات و الأبحاث، و على سبيل المثال
هناك العديد من الأبحاث التي تم التوصل إلى حل ألغازها عن طريق خبراء أثار العجلات مثلا( LES TRACES PNEUMATIQUES)  التابعين للمختبرالعلمي للشرطة العلمية بالدار البيضاء، كما أن العديد من القضايا حلت من خلال إجراء خبرة على العربات أو المركبات، يتم التماسها سواء من النيابة العامة أو تطلب مباشرة من طرف

  
ضباط الشرطة القضائية لتحال نتائجها بعد ذلك عليها. و بهذا سيتم تنويع تشكيلة هذه اللجنة لتحقق المبتغى الذي هو بلوغ الحقيقة الموضوعية مع اختصار الوقت و اقتصاد الجهد.

     ثانيا)محاضر المعاينة الالية:
           إلى جانب محاضر المعاينة العادية التي كانت تشكل القاعدة في القانون القديم، أوردت المدونة الجديدة تقنية المعاينات الآلية و المكننة، و كذا المعالجة الآلية أو المعلوماتية لمحاضر المخالفات،  مما يستوجب تأهيل ضباط و أعوان الشرطة القضائية المنتمين لكافة الإدارات ( الشرطة، الدرك، وزارة النقل.)، و يجب توفير كافة شروط و ظروف العمل بهذه التقنيات المتطورة، و انتظار فترة كافية على دخولها حيز التطبيق، لتظهر مدى مطابقتها للواقع المغربي، علما أن المجتمع هو الذي يخلق القواعد القانونية المناسبة له، و كذلك للوقوف على مكامن الضعف فيها لمعالجتها.

الفقرة الثانية: استحداث مسطرة المنازعة في المخالفات:
     فقد هدف المشرع من هذه المسطرة المنظمة بالمادة 230 من المدونة تحقيق ضمانة إضافية لكل شخص من تعسفات محرري محاضر المخالفات مع تبسيط إجراءات المنازعة لتدارك ما قد يشوبها من أخطاء، غير أن هذه المادة أيضا تطرح إشكالات بخصوص استعمال المشرع لحرف العطف" أو" الذي يفيد التخيير في عبارة:" تقدم المنازعة في المخالفات..... بواسطة شكاية معللة توجه إلى:
1-    وكيل الملك،
2-    أو إلى العون محرر المحضر الذي عاين المخالفة،
3-    أو في حالة معاينة آلية، إلى المصلحة الصادر عنها الإشعار بالمخالفة."
     وهذا افتراض صعب التصور، لأنه سيجعل من العون خصما و حكما في الآن ذاته، بحيث يغني التقدم بالشكاية أمامه عن تقديمها أمام النيابة العامة، و الأجدر باعتبارأن الغاية من هذه المسطرة هي تبسيط إجراءات الطعن في المحاضر و بالتالي تخفيف الضغط على القضاء و النيابة العامة، أن تتم إضافة عبارة " رؤساء" أو" إدارة" قبل عبارة "العون محرر المحضر"، لتصير الجهة التي يمكن أن تقدم أمامها هذه الشكاية ذات مصداقية، و بهذا يصير
الصفحة )3(

هذا الإجراء بمثابة تظلم رئاسي يحقق المبتغى الذي هو مراجعة العون لذاته و للمحضر المسجلة فيه المخالفة قبل أن تحال هذه الشكاية على النيابة العامة ذات الاختصاص الأصيل في تلقي الشكايات، و تعزز بذلك آليات العدالة التصالحية و الوسائل البديلة لحل النزاعات، و الأمر نفسه يقال بخصوص البند3 من المادة المذكورة في حالة  المعاينة الآلية للمخالفة، حيث يمكن للمنازع توجيه شكايته للمصلحة الصادر عنها الإشعار بالمخالفة، و هو ما يمكن تكييفه على أنهه تظلم أكثر منه" شكاية معللة" كما نصت عليه المادة المذكورة.

المطلب الثاني:حدود سلطة النيابة العامة في الامر بالاجراءات المقيدة للحقوق و الحريات في مدونة السير:

 و أقتصر هنا  من الاجراءات المقيدة للحقوق في مدونة السير على الاجراءات التي تؤثر على حرية الشخص في استعمال الوثائق الخاصة بمركبته،فاتخاذ اي تدبير بالاحتفاظ بها او بسحبها او توقيفها او الغائها، يمنع صاحبها من قيادة مركبته و حتى اي مركبة اخرى. أما من الاجراءات الماسة بالحريات فأقتصر هنا على تناول ما من شأنه حرمان الشخص من حق ملكية و استعمال مركبته، و كذا حريته في التنقل بها، وهي حقوق دستورية يجب التشدد في حمايتها و عدم المساس بها الا في الحالات و للاسباب المحددة قانونا في ظل قواعد مبدا الشرعية.

الفقرة الاولى: أحكام اجراءات الاحتفاظ بوثائق المركبات:

     فمن أهم ما جاءت به المدونة من مستجدات ان حددت و دققت حالات و طبيعة الاحتفاظ بوثائق المركبات، و خصوصا منها رخصة السياقة و شهادة التسجيل.

 أولا: بالنسبة للتدابير و العقوبات الخاصة برخصة السياقة:
        تعتبر رخصة السياقة شرطا أساسيا لسياقة المركبات، و هي بهذه الصفة حق لكل شخص أن يحصل عليها إذا توفرت فيه الشروط اللازمة، و بالتالي فحرمان السائق من رخصة السياقة سيحد من حريته في التجول و حرية استعماله لمركبته و هي حقوق يكفلها الدستور و القانون، و لذلك حدد المشرع بدقة التدابير و العقوبات الخاصة برخصة السياقة، حيث ميز بين: 1- حالات الاحتفاظ برخصة السياقة.
                                        2- حالات توقيفها كإجراء إداري و كإجراء قضائي.
                                        3- حالات سحبها.
                                        4- حالات إلغائها سواء كتدبير إداري أو كعقوبة إضافية


          و بهذا يكون المشرع قد قضى على الوضعية الضبابية التي كانت تلف حالات سحب رخصة السياقة و تدبدب المقتضيات القانونية و التنظيمية التي كانت مطبقة عليها، و حالات التعسف التي كانت تطالها أحيانا، و رغم ذلك فإن إشكالات عملية تدق في حالة استعمال أحد قضاة النيابة العامة في" تسيير" أو "الإشراف" على ضباط الشرطة القضائية و أعوانهم و ذلك بإصدار تعليماتهم بضرورة الاحتفاظ برخصة السياقة خارج الحالات المذكورة أعلاه، خصوصا في حالة ارتكاب سائق لحادثة سير، و ذلك تحت مبرر اعتبار هذه الوثيقة بمثابة ضمانة لحضور السائق إما لإتمام إجراءات البحث، أو لضمان حضوره ليقدم أمام النيابة العامة بموجب المسطرة المنجزة في الموضوع. و إذا كان هذا الأمر مستساغا استنادا إلى المبررات التي يزكي بها بعض قضاة النيابة العامة هذه الصلاحية باعتبار هذا الإجراء احترازيا و أقل مساسا بالحرية من تدبير الوضع تحت الحراسة النظرية الذي يشكل
مكنة متاحة لهم في هذه الحالات، فيستحسن بذلك الاحتفاظ برخصة السياقة بدل الاحتفاظ بالسائق نفسه، و تدق المسألة أكثر في حالة انتظار تزويد ضحية حادثة سير لضابط الشرطة القضائية المعاين بالشهادة الطبية التي تثبث مدة عجزه البدني، و التي على ضوئها سيتم تكييف وقائع الحادثة، و خصوصا في حالة وجود ضحية سيء النية يماطل في إحضار هذه الشهادة الطبية لإطالة مدة حرمان السائق من رخصة سياقته التي يعلم بأنها محتفظ بها. و هذا ما يطرح تساؤلات حول مدى أحقية هذا الإجراء خصوصا في ظل كون قواعد مدونة السيربمثابة نص جنائي خاص يبقى في فلك قواعد القانون الجنائي العام، و من ضمنها تقديس مبدأ الشرعية، والتفسير الضيق للقواعد الجنائية  و تفسير الشك لمصلحة المتهم.
الصفحة )4(

        و من جهة ثانية، فإن المشرع حصر حالات توقيف و إلغاء رخصة السياقة على إثر ارتكاب السائق لحادثة سير على اختلاف درجاتها( المواد:167، 169 و 172 من المدونة)، ما لم تقرن بجنحة أو مخالفة توجب بدورها ذلك، لكنه في كل مرة يجعلها مقرونة بعبارة" كل سائق ثبتت مسؤوليته"، مما يفيد أن هذه الإجراءات تمتد إلى مرحلة ثبوت المسؤولية، أي صدور حكم قضائي في الموضوع، و ليس في مرحلة البحث التمهيدي الذي تمارس فيه النيابة العامة سلطاتها في الإشراف و التوجيه تجاه ضباط و أعوان الشرطة القضائية، مع العلم أن إجراء كهذا-
الاحتفاظ برخصة السياقة أثناء البحث التمهيدي- قد يقلب قرينة البراءة (المادة1 من ق م ج)، لأن السائق يبقى بريئا إلى أن تتم إدانته عند ثبوت مسؤوليته، و لا يجب أن تسحب رخصة سياقته تحسبا لأن تثبت مسؤوليته، و عندها إما ترجع له أو يتحول الاحتفاظ إلى توقيف أو إلغاء لرخصة سياقته.
        و هكذا يجب أن يتم تحديد الحالات الموجبة لحرمان السائق من رخصته بدقة أكبر، سدا لكل ثغرة يمكن أن تكون سبيلا لأي تعسف سواء من طرف ضباط و أعوان الشرطة القضائية أو من أعضاء النيابة العامة مع تحديد المسؤوليات و حدودها.
       
ثانيا: بالنسبة لإجراء الاحتفاظ بشهادة تسجيل المركبات:
    و رغم تحديد المشرع لحالات الاحتفاظ بها و سحبها ، فانه يقال  في شأنها الأمر نفسه كرخصة السياقة، بحيث يلاحظ وجود فراغ يجب سده في حالة صدور تعليمات من قاضي النيابة العامة موجه إلى ضابط أو عون الشرطة القضائية الذي أنجز محضر مخالفة في حق سائق مركبة و احتفظ على إثرها بشهادة تسجيل المركبة، مضمونها ضرورة إحالة محضر المخالفة رفقة هذه الشهادة عليه قبل انتهاء أجل خمسة عشر يوما الذي هو بمثابة مهلة لأداء السائق للغرامة التصالحية أو لإصلاح أثار المخالفة التي أوجبت هذا الاحتفاظ بهذه الشهادة. فهل يجبر ضابط أو عون الشرطة القضائية على تنفيذ هذا الأمر حالا أم أن أجل الخمسة عشر يوما يعتبر من النظام العام و يجب انتظار انقضائه دون أداء أو إصلاح السائق للمخالفة ( كمثال: المادة 184 في البند 25 بخصوص مخالفة عدم الخضوع للمراقبة التقنية).

الفقرة الثانية: أحكام إجراءات توقيف و حجز المركبات:
    عددت المدونة حالات توقيف وايداع الركبات في المحجز، لكنها لم تحط ببعض الثغرات التي يمكن ان تنشأ بصددها نزاعات و اختلافات يصعب معها تحديد المسؤوليات بين قضاة النيابة العامة و ضباط و اعوان الشرطة القضائية.

أولا:قواعد توقيف المركبات و جزاءات مخالفتها: حددت المدونة الجديدة العديد من الضمانات لمستعملي الطريق  بدءا من تحديد الأشخاص الذين يحق لهم مراقبة السير و معاينة المخالفات و البحث عنها) المادة190  (ثم تحديد اختصاصاتهم )م 191( ،و الشارات و العلامات التي يجب ان توفروا عليها)م 192(  ، و كذلك الامكنة التي يجب ان تتم فيها هذه المراقبة، بل ذهب المشرع الى ابعد من ذلك عندما حدد بمقتضى )المادة 62( من المرسوم رقم:420. 10 .2 بشأن السير على الطرق الاشارات التي يجب أن يستعملها الاعوان المكلفون بتنظيم المرور، و هذا ما يجعل التساؤل مشروعا حول الضمانات التي استحدثتها هذه النصوص حماية لهذه الفئة من الاعوان و الموظفين في المقابل،و نقر منذ البداية انها لم تأت بأية ضمانات جديدة في الموضوع، بحيث ان عدم الامتثال لاشارة التوقف و بالتالي الاستخفاف برمز من رموز سيادة الدولة يعتبر جنحة بسيطة و تتم معاقبته فقط بغرامة من 1200 الى 2000 درهم دون إمكانية الحكم بعقوبة حبسية و دون اعتبار العود ظرف تشديد، و من شأن هذا التخفيف من المسؤولية في هذا النوع من الجرائم أن يفتح الباب الى التذرع بعدم الامتثال لإخفاء جرائم اخطر قد تكون تهريبا لمخدرات او سلع ... بل أخطر ما يمكن ان ينتج عنها -و هو واقع ما نعيشه في وظائفنا-  قد يصل الى جناية محاولة القتل مما يفرض على هذا العون أن يلوذ بالفرار من مسار المركبة التي يقودها شخص مخمور او شاب يافع لا يقدر عواقب ما يقدم عليه، و هو أمر مشين يخدش كرامته و يحط من قدر المؤسسة التي يمثلها. لهذا لا يسعنا إلا أن نطالب بالتشدد بقدر موضوعي في العقاب على هذه الجريمة.

ثانيا: حول إمكانية إنهاء تدبير الإيداع في المحجز: و يثار بخصوصها نفس ما سبق ذكره في الإجراءين السابقين حول مدى شرعية الإفراج عن المركبة و تسليمها لمن له الحق فيها بمجرد أدائه للغرامة التصالحية و إصلاحه

الصفحة )5(

للمخالفة الموجبة لهذا الإيداع، و من خلال الواقع العملي للعلاقة بين النيابة العامة و ضباط و أعوان الشرطة القضائية، ظهرت توجهات في تطبيق مقتضيات المدونة، حيث إن قضاة النيابة العامة في بعض المحاكم يأمرون ضباط و أعوان الشرطة القضائية التابعين لنفوذ محاكمهم بالإفراج عن المركبات المودعة من طرفهم بالمحجز على اعتبار أنه إجراء قضائي يملكون فيه الصفة لتسيير أعمال الشرطة القضائية بصفتهم ضباط شرطة قضائية سامين، في حين ظهر توجه آخر في بعض المحاكم يعتبر فيها قضاة النيابة العامة أن إجراء الإيداع في المحجز تدبير إداري
من أعمال الشرطة الإدارية لا الشرطة القضائية، و بالتالي الامتناع عن الأمر بالإفراج عن المركبة قبل انتهاء المدة القانونية المحددة حسب الحالات.